رجا طلب
يبدو ان الرغبة في التميز لدى بعض الزملاء الكتاب في الصحافة الأردنية والعربية، دفع البعض منهم إلى اختيار العنوان المثير أو العنوان المبهم قبل تحديد مضمون المقال وفكرته، فالعنوان المثير أو عنوان الكلمة الواحدة بات لافتاً ومغرياً للقراءة، على عكس العنوان الواضح المعالم، وللموضوعية فان كتابة المقال وعنوانه هو علم يدرس في كليات الصحافة في العالم وهناك قواعد محددة لكتابة المقال ليس هنا مجال الحديث عنها.
قبل عدة أيام خاض أحد الزملاء غمار مجازفة مهنية حيث اختار عنواناً براقاً وخطيراً يوحي بانقلاب في السياسة الاردنية تجاه القضية الفلسطينية وتجاه الفلسطينيين للدرجة التى تمكن معها العنوان من استدراج الكثير من المختصين والمحللين السياسيين لقراءة المقال ومحاولة استشراف ابعاد العنوان او تحليل المضمون، غير ان المفاجأة كانت ان لا مضمون جديداً في المقال، ولا رؤية سياسية، وهو ما جعل مسؤولا فلسطينياً كبيراً يسألني في اتصال من الضفة الغربية عن المعلومات المتوفرة لدي بشان المقال المشار إليه، وعندما اجبته بأن لا صحة على الاطلاق لاية نوايا أردنية لحكم الضفة الغربية، علق قائلا: «وهل هذا بالون اختبار ام جس نبض ام ماذا « ؟؟
اجبته لا هذا ولا ذاك هو مجرد محاولة من كاتب المقال للفت الانتباه ليس اكثر ولربما دون إدراك عميق لابعاد ما كتب !!
وشرحت له ان اسرائيل باتت في مأزق كبير بعد نجاحها في سد افق الحل للقضية الفلسطينية وتحديدا افق الحل الامثل وهو «حل الدولتين»، وبعد إقرار قانون «القومية اليهودية»، فلم يعد امامها إلا الإقدام على خيار من اثنين وهما:
الأول: تجريد الملايين من العرب الذين يحملون الجنسية الاسرائيلية من جنسياتهم واعتبارهم « فاقدي» المواطنة تمهيدا للتخلص منهم ووفق برنامج مدروس زمنيا وسياسيا، وهو خيار وان بدا محتملا بحكم عقلية اليمين الاسرائيلي المهيمن على صناعة القرار الا انه يدرك الخطر الجسيم لذلك وانعكاساته على اسرائيل.
الثاني: وهو خيار الدولة الواحدة ثنائية القومية وهو خيار يحيل الدولة الاسرائيلية الى دولة يتحكم فيها العرب الفلسطينيون، وهو خيار تمت مناقشته وبعمق في مؤتمرات فكرية وسياسية داخل اسرائيل وخارجها وكانت معظم الاراء تجمع على انه خيار قاتل سيعمل على تغيير هوية «الدولة»، بل يمكنه تغيير قوى صنع القرار فيها وافقاد اليهود بكل تصنيفاتهم «السيطرة عليها» أي بمعنى آخر تصبح دولة فلسطينية بصورة أو باخرى.
كل هذه التصورات والسيناريوهات تجاهلها «صاحبنا» عندما اراد استدراجنا لعنوانه المثير.
في العودة لعلم الاعلام والصحافة استذكر قصة لا استطيع نسيانها، القصة مع الدكتور والعلامة سنان سعيد رحمه الله رئيس كلية الاعلام ببغداد ، في السنة الرابعة كلفنا رحمه الله كتابة «الصورة القلمية»، أي بورتريه يلخص الشخصية بالكلمات، ووقتها كتبت عن معمر القذافي، وكان العقيد عدواً لنظام صدام وتصورت أن هذا العداء السياسي يتح لي الكتابة كما اشاء عنه وبلا ضوابط، غير اني بالغت في ذلك ونعته «بالخائن الأكبر».
الدكتور سنان وبعد قراءته للمقال قال لي «تستحق علامة كاملة لو كنت اثبت كيف ان القذافي كان الخائن الاكبر «.
كان رأي الدكتور سنان صفعة ودرساً لن انساه ، فالمقال مسؤولية غالية وليس عنوانا « جذابا او كذابا »!!
[email protected]